لا طريق سهل
الجواب على مشكلة ذنبنا هو التبرير أو الغفران.
قد يعتقد البعض أنه شئ سهل على الله أن يغفر للخاطئ.
قالت أغنية شعبية ذات مرة، “على الرغم من أنها تُحزن الله أن يرى الطريقة التي نعيش بها، لكنه سيقول دائمًا،” أنا أغفر.”
ولكن هل هذه مسألة بسيطة؟ هل يحتاج الله فقط إلى إيماءة رأسه في اتجاهنا ويقول “أنا أغفر لك”؟ لأجل أن تُغفر خطاياك أو تتبرر، يعني أن يتم إعلان أنك “غير مذنب”. كيف يمكن أن ينظر الله إلينا مباشرة في الوجه وينطق أننا غير مذنبين وهو يعلم أننا مذنبون؟
هناك إجابة واحدة فقط لهذا السؤال. كما يقول بولس، نحن “متبررين بدمه (دم المسيح)” (رومية 5: 9). ولكن كيف يوفر موت المسيح أساساً للغفران؟ ولماذا هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تبريرنا؟
سنبحث في هذا الفصل عن معنى موت المسيح ككفارة. هذا سيشرح كيف يمكننا، من خلال يسوع المسيح أن نتصالح مع الله.
الكفارة
لماذا مات يسوع على الصليب؟ لكي يكون الله عادلاً ومبرِراً لأولئك الذين يؤمنون بيسوع (رومية 3:26). هذا هو الجواب بأختصار.
في العادة، نعتقد أن الصليب ضروري وذلك لمصلحتنا، لكن هذا صحيح فقط بمعنى ثانوي. بالتأكيد خلاصنا يعتمد على الصليب. كخطاة لا يمكننا أن نخلص بأي طريقة أخرى. ومع ذلك، في التحليل النهائي، فإن الصليب ضروري ليس فقط لأننا خطاة، ولكن لأن الله هو الله. ضرورة الصليب متأصلة في طبيعة الله!
تقول رومية 3: 26 أن يسوع مات حتى يكون الله كاملاً بطريقتين: كعادل ومبرِر. نرى أن الله لا يختار بشكل أعتباطي شيئًا بدلاً من شيء آخر. الله يُعبّر عن عمق طبيعته. تتطلب طبيعة الله أن يكون عادلاً ومبرِراً، لأن طبيعته تشمل العدل والمحبة.
كيف لهاتين السمتين من سمات الله أن تجعلان الصليب ضروري؟
أ. الله عادل
قد يسأل أحدهم، “إذا كان الله كليّ القدرة، فلماذا لا يمكنه فقط أن يغفر الخطايا بعيدًا عن الصليب؟ لماذا لا يقول فقط” أنا أغفر لك “؟ لماذا لا يمسح خطايانا فقط وينقذنا بمرسومه السيادي؟ ” الجواب يكمن في عدل الله. “إن جميع سُبُله عدلٌ. إلهُ أمانةٍ لاجَور فيه، صِدّيقٌ وعادلٌ هو” (تث 32: 4).
العدل أو البر هو سمة من سمات الله التي تتطلب منه أن يعاقب الخطية. الخطية هي تجاوز لقانون الله، والقانون هو تعبير عن طبيعة ذات الله. وبالتالي فإن الخطيئة هي تجاوز لطبيعة الله، وهي محاولة عملية لمعارضة الله.
على سبيل المثال، الأمر بعدم الكذب ينبع من عمق طبيعة الله. لا يستطيع الله أن يكذب (تيطس 1: 2) ؛ لذلك فهو أنتهاك لشخصية الله عندما تقوم المخلوقات التي صُنعت على صورته بالكذب. عندما نكذب فإننا لا نكسر فقط بعض الشرائع المجردة التي صنعها الله أعتباطياً، نحن في الواقع نهاجم الله نفسه.
عندما تتعرض طبيعة الله للهجوم والمعارضة، عن طريق الكذب أو بأي خطيئة أخرى، فماذا يجب أن يفعل الله؟ هل يستطيع الله أن يتجاهل ما يُجدّف على عمق شخصيته؟ بالتاكيد لا. لا يستطيع الله أن يُغمض عينيه ويتظاهر بعدم وجود أكاذيب وقتل وزنى. عدله لن يسمح بذلك. هذا هو السبب في أن القانون يعاقب على الخطيئة. الله عادل ؛ وعندما تُنتهَك طبيعته، يجب أن يعاقب هذا الأنتهاك أو أن الله ليس صادقًا مع نفسه.
هذه إذاً هي الضرورة. يجب على الله أن يعاقب الخطية لأنه إله عادل. إن عدله لا يستطيع أن يعامل الخطية بأستخفاف. إن عدالته تُضرِم لهيب غضبه الذي يلتهم الخطية تمامًا. يجب أن يُسكَب غضب عدالته على كل آثم “إلهنا نارٌ آكلة” (عبرانيين 12: 29).
ب. الله محبة
عند هذه النقطة يعترض شخص ما مرة أخرى. “أنت تقول أن الله هو الله، والله عادل. إذاً جيد جداً، فليكن الله هو الله! فليكن عادلاً ويعاقب خطايانا. فليضعنا جميعاً في الجحيم في هذه اللحظة بالذات. فليفرض العقوبة التي يُطالب بها قانونه الأبدي “. في الحقيقة، سوف تتحقق العدالة إذا عوقب كل آثم في الجحيم إلى الأبد. يمكن تحقيق عدل الله بدون الصليب.
ثم لماذا لا يفعل الله ذلك؟ لماذا لا يعطينا كل ما نستحقه بدلاً من إرسال يسوع إلى الصليب؟ لأن الله محبة أيضا! (أنظر يوحنا الأولى 4: 8). إذا كان كل ما يلزم هو أن العدالة تتحقق، فإن الله يمكن أن يرسلنا إلى الجحيم وأن يكون صادقاً تمامًا مع طبيعته. ولكن الله محبة أيضًا، ولا يرغب الحب في أن يهلك أحد (بطرس الثانية 3: 9 ؛ 1 تيم 2: 4). لذلك إذا هلك جميع الناس فلن يكون الله صادقًا في طبيعته كمحبة. هذا هو السبب في أن الله يجب أن يكون ليس فقط عادلًا بل مبرِرًا أيضًا. أي أنه يجب أن يُعلننا أبرار حتى لا يأكلنا غضبه.
من وجهة نظرنا تمثل طبيعة الله معضلة، وهو مَطلب مستحيل. الحب هو طبيعة الله، وهذا الحب يرغب في خلاصنا. لكن العدالة هي أيضاً طبيعة الله، وهذه العدالة تتطلب إدانتنا.
ليس لدى البشر إجابة على هذه “المشكلة الخاصة بالله”. لكن حلها لا يَصعُب على المخلّص كليّ الحكمة. إن الجواب على معضلة التصور الإنساني هو جزء من خطة الله الأبدية. هذا الجواب هو موت أبنه الوحيد على الصليب.
إن عدل ومحبة الله تتطلب منه معاقبة الخطيئة وإنقاذ الخاطئ. يبدو أن هذه المهمة المستحيلة هي التي تجعل الصليب ضروريًا. في الصليب الله عادل ومبرِر.
ج. مات المسيح من أجلنا
كيف حلَّ الصليب هذه المعضلة الناشئة عن طبيعة الله؟ ماذا يوجد في الصليب مما يجعله الحل للمشكلة؟ في الأساس، لأنه كفارة.
الكفارة هي ذبيحة تبدد الغضب. على سبيل المثال، دعونا نتخيل أن الزوج الذي يعاني من سوء المزاج الذي عامل زوجته ظلماً (انظر الفصل 5) يتوب ويرغب في أن يعمل تعديلات في حياته. وهكذا يزور بائع الزهور ويعود إلى المنزل بعشرات الورود. الزهور هي كفارة – عرض مصمَّم لإبعاد غضب زوجته عنه.
يصف الكتاب المقدس موت المسيح بأنه كفارة (رومية 3:25 ؛ 1 يوحنا 2: 2 ؛ 4:10). وهذا يعني أن يسوع قد حقق مطالب صلاح وقضاء الله من أجل تحقيق العدالة من خلال قبول المسيح أن يوضَع عليه كل الغضب والعقاب اللذين تستحقهما الخطية.
مات المسيح “من أجل خطايانا” (1 كور 15: 3). المسيح “حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة” (1 بطرس 2:24). ماذا يعني القول أنه “حمل خطايانا”؟ وقد تم التركيز على هذا المفهوم بشكل أوضح من خلال تعبيرين واضحين آخرين: المسيح جُعِل “خطيئة لأجلنا” (2 كور 5:21)، وأصبح “لعنة لأجلنا” (غلاطية 3:13).
على الرغم من أنه لم يكن شخصياً مذنبًا بالخطيئة، فقد وُضِع يسوع بتماثل كبير جداً مع الخطيئة لدرجة أنه أستطاع في شخصه تحمُّل اللعنة بسبب الخطيئة. عندما نقول أن المسيح “حمل خطايانا”، فإننا نقصد بشكل أكثر تحديدًا أنه تحمل العقوبة بسبب خطايانا ؛ لقد حمل كل قوة غضب الله ضد خطايانا. وبذلك سمح المسيح بوضع عقوبة الخطيئة على نفسه، فحقق عدل الله وأصبح كفارتنا.
أن المسيح عانى من عقوبة الخطية ليُمكّن الله من أن يكون عادلاً ؛ وأنه عانى العقوبة لأجلنا ليُمكّن الله من أن يكون مبرِراً. يجب عدم تجاهل التركيز على أن المسيح مات “لأجلنا”. لقد أرضى غضب الله في مكاننا كبديل عنا.
لأن الصليب هو ما هو عليه ، يمكن لله أن يغفر خطايانا ويبررنا ، ويكون عادل في نفس الوقت. إذا كان المسيح قد دَفع ثمن العقوبة بسبب خطايانا، فعندئذٍ قد تمت معاقبة خطايانا بالمسيح. إن غضب الله المتقد بسببنا قد أطفأ نفسه على المسيح بالفعل. لذلك عندما يقول الله لنا، “مغفورة لكم خطاياكم” ، فهو لا يمسح خطايانا ببساطة. على العكس من ذلك، فإن كل خطيئة مغفورة فينا قد عوقبت بالفعل في المسيح. بسبب المسيح يُمكن أن يكون الله عادلاً ومبرِراً.
التبرير
لأن المسيح هو كفارتنا، يمكننا أن “نتبرر بدمه” (رومية 5: 9)، “بالإيمان بدمه” (رومية 3: 25). سيبرر الله حتى الأشرار (رومية 4: 5)، إذا وَضع الأشرار ثقتهم في موت المسيح الكفاري.
مذنب؟ نعم، ولكن بالإيمان دم المسيح يغطي الخطية ويمتص الذنب. وهكذا يستطيع الله أن يعامل الخاطئ كما لو أنه غير مذنب. القول بأنني مبرَر يعني أن الله يعاملني “كما لو كنت” لم أخطئ أبداً.
خطاة؟ نعم، لكن الله لا يمسك ذنوبنا ضدنا إذا كنا تحت دم المسيح. لا يديننا. “إذاً لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع” (رومية 8: 1).
المصالحة
أولئك الذين تبرروا من خلال الإيمان بدم يسوع يعيشون في حالة سلام مع الله. يقول بولس: “فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح” (رومية 5: 1).
إن تحقيق السلام بين الله والإنسان هو جانب آخر للعمل الكفاري للمسيح. ويأخذ في الأعتبار حقيقة أننا كخطاة كنا أعداء الله. كانت هناك عداوة وبغض بيننا وبين الله. ولكن هنا مرة أخرى تظهر محبة الله، لأنه “إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت أبنه” (رومية 5:10).
هناك خطوتان للمصالحة بيننا وبين الله. أولاً، يجب إزالة عداوة الله تجاهنا. يجد البعض صعوبة في قبول تعليم الإنجيل إن إله المحبة يمكن أن يكون له عداوة تجاه مخلوقاته. يعلّم أشعياء بأن خطايانا تجعل الله يحوّل وجهه عنا (إشعياء 59: 2). لا يمكنه أن يلمح الشر ولا ينظر إلى الجَور. (حبقوق 1:(13. الخطايا التي نفعلها هي أهداف الكراهية والعدواة الإلهية. (أمثال 6:19-16)
إن عداء الله لنا بسبب خطايانا هو الذي أُزيل بموت المسيح الكفاري. حتى عندما كنا لا نزال أعداء الله، موت المسيح صالحنا (رومية 5: 10). كانت المصالحة شيئًا أنجزه الله حتى قبل أن نعلم عنه، حتى قبل إعلانه لنا. من خلال تحويل غضبه وعدائه كليًا إلى يسوع، أزال الله كل عقبة أمام المصالحة والسلام من جانبه.
الخطوة الثانية نحو المصالحة هي قبولنا لما فعله الله لنا. عندما تُعلَن لنا “رسالة المصالحة”، يجب أن نتخلص من عداوتنا وأن “نتصالح مع الله” (2 كور 5: 19-20). وبهذه الطريقة نحصل على المصالحة التي قد تم تحقيقها بالفعل كأنها مُلكنا (رومية 5: 11). مرة أخرى نحن أصدقاء الله، نعيش بسلام معه.
نعم ، لقد حلَّ الله مشكلة ذنبنا، ولكن ليس من دون تكلفة كبيرة عليه. تطلبت موت ابنه الوحيد، الذي سُكب عليه، بدلاً عنا، الغضب والعداء الإلهي.
Leave a Reply
شاركنا رأيك | Share your thoughts
You must be logged in to post a comment.